أزمة نقص الأدوية.. تقرير أممي يحذر من انهيار القطاع الصحي في غزة

أزمة نقص الأدوية.. تقرير أممي يحذر من انهيار القطاع الصحي في غزة
طبيب يتابع عمله تحت أضواء الكشافات - أرشيف

في قطاع غزة المحاصر تتصاعد مأساة إنسانية غير مسبوقة، حيث تواجه المستشفيات والمراكز الصحية عجزاً كاملاً في الأدوية الأساسية والمعدات الطبية المنقذة للحياة، في وقت تواصل فيه الحرب المستمرة منذ عامين تدمير ما تبقى من منظومة الرعاية الصحية.

وكشف مدير وحدة المعلومات الصحية بوزارة الصحة في غزة، زاهر الوحيدي، اليوم الثلاثاء، أن العجز يتركز في أدوية الطوارئ والتخدير والعمليات والأمراض المزمنة، مؤكداً أن مخازن الأدوية تكاد تكون خالية تماماً، وأوضح أن هناك عجزاً بنسبة 100 في المئة في مستهلكات جراحة القلب، و87 في المئة في مستهلكات جراحة العظام، مشيراً إلى أن خدمة جراحة القلب المفتوح توقفت كلياً بعد أن كانت الوزارة تُجري أكثر من 500 عملية سنوياً، وفق وكالة “شهاب” الإخبارية.

موت خلف الجدران الطبية

المعاناة اليومية لا تقتصر على الجراحين الذين يجرون العمليات بأدوات متهالكة أو الأطباء الذين يعملون تحت ضغط نفسي وإنساني بالغ، بل تمتد إلى المرضى الذين ينتظرون أمل العلاج وسط انقطاع الأدوية وغياب الأجهزة.

فقدت وزارة الصحة، بحسب الوحيدي، أكثر من 50 بالمئة من مرضى الغسيل الكلوي خلال الأشهر الماضية، بسبب توقف عمل الأجهزة أو نفاد المحاليل اللازمة للعلاج، كما ينتظر أكثر من 18,500 مريضاً السماح لهم بالسفر لاستكمال علاجهم في الخارج، في حين تُوفي نحو 983 مريضاً على قوائم الانتظار بعد إغلاق معبر رفح لأشهر طويلة.

في ممرات مستشفى الشفاء، حيث كانت تتكدس الأسرّة والمحاليل والمعدات، أصبح الفراغ سيد المكان، ومرضى السرطان لا يجدون العلاج الكيميائي، وكذلك مرضى القلب ينتظرون جراحات لا تُجرى، وأطفال الخداج مهددون بالموت بسبب نقص حاضنات الأطفال وأجهزة التنفس الصناعي.

تداعيات الحرب والانهيار الإداري

الأزمة الصحية في غزة ليست وليدة اللحظة، بل هي تراكمات أعوام من الحصار الإسرائيلي المستمر منذ عام 2007 الذي قيّد دخول الأدوية والمعدات الطبية وقطع الغيار الخاصة بها، بالإضافة إلى القيود المشددة على تنقّل المرضى إلى الخارج.

لكن الحرب الأخيرة أدت إلى انهيار شبه كامل في النظام الصحي، فقد تعرض أكثر من 60 في المئة من المرافق الطبية للتدمير أو التوقف عن العمل وفق تقرير منظمة الصحة العالمية، في حين تعطلت أكثر من 70 بالمئة من سيارات الإسعاف بفعل القصف أو نفاد الوقود، كما أشار مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إلى أن أكثر من 80 بالمئة من المرافق الصحية تعمل بطاقة لا تتجاوز 20 بالمئة من قدرتها الأصلية.

إلى جانب ذلك، أدى توقف الكهرباء ونقص الوقود إلى تعطيل وحدات العناية المركزة وأجهزة التنفس الاصطناعي، ما فاقم معاناة آلاف المرضى، كما أن إغلاق المعابر ومنع إدخال المستلزمات الطبية من قبل سلطات إسرائيل جعل من المستحيل تقريباً على المستشفيات مواصلة عملها.

نظام صحي ينهار

في تقارير متعاقبة، حذّرت منظمة الصحة العالمية من أن نظام الرعاية الصحية في غزة على وشك الانهيار الكامل، مؤكدة أن أكثر من 13 مستشفى من أصل 36 أصبحت خارج الخدمة تماماً، في حين تعمل المستشفيات المتبقية في ظروف لا إنسانية.

وذكرت المنظمة أن أكثر من 16 ألف شخص بحاجة ماسة إلى علاج من أمراض مزمنة مثل السرطان والفشل الكلوي وأمراض القلب، لكنهم لا يتلقون أدويتهم الأساسية، كما أشارت إلى أن ثلاجات المستشفيات فقدت قدرتها على حفظ الأدوية الحساسة نتيجة انقطاع التيار الكهربائي، ما أدى إلى تلف مئات الجرعات من الأنسولين واللقاحات.

من جانبها، أفادت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا) بأن أكثر من 70 بالمئة من المراكز الصحية التابعة لها في غزة توقفت عن العمل، مؤكدة أن آلاف العائلات لم تعد قادرة على الحصول حتى على مسكنات الألم أو أدوية الحمى لأطفالها.

القانون الدولي الإنساني

تؤكد المنظمات الحقوقية الدولية، ومنها هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، أن منع دخول الإمدادات الطبية وعرقلة حركة المرضى يشكّلان انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني الذي ينص على ضرورة حماية المنشآت الصحية والعاملين فيها أثناء النزاعات المسلحة.

وذكرت لجنة الأمم المتحدة للتحقيق في الانتهاكات في الأراضي الفلسطينية أن استهداف المرافق الطبية يُعد جريمة حرب وفق اتفاقيات جنيف، خصوصاً إذا تم بشكل متعمّد أو تسبب بحرمان المدنيين من الرعاية الصحية الأساسية.

من جانبه، دعا مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في بيان حديث إلى إنشاء ممر إنساني دائم وآمن لإدخال الإمدادات الطبية والوقود إلى القطاع، مطالباً بوقف فوري لأي عمليات عسكرية تستهدف المراكز الصحية.

الكلفة الإنسانية للأزمة

لا تقتصر الكارثة على نقص الأدوية، بل تمتد إلى انهيار الثقة بين المريض والنظام الصحي نفسه، آلاف العائلات في غزة تعيش اليوم حالة من الفزع، حيث يتحوّل المرض البسيط إلى حكم بالإعدام في ظل غياب الدواء والعلاج.

تقدّر وزارة الصحة أن أكثر من 45 في المئة من سكان القطاع يعانون أمراضاً مزمنة تتطلب علاجاً دائماً، في حين يُقدر عدد المرضى الذين يحتاجون إلى عمليات جراحية عاجلة بأكثر من 20 ألف شخص، هذه الأرقام تمثل وجهاً خفياً لأزمة إنسانية تفوق القدرة على الاستيعاب.

تقول ممرضة تعمل في أحد المستشفيات الميدانية المؤقتة في دير البلح إن المرضى يموتون لأننا لا نملك حتى الشاش أو المسكنات، مضيفة أن الطواقم الطبية تعمل بما تبقى من إرادة إنسانية لا من أدوات مهنية.

نظام صحي محاصر

قبل اندلاع الحرب الأخيرة، كان القطاع الصحي في غزة يعاني بالفعل من تدهور شديد بسبب الحصار المفروض منذ أكثر من 17 عاماً، والذي حال دون تحديث الأجهزة الطبية أو إدخال أدوية جديدة.

تشير بيانات وزارة الصحة الفلسطينية إلى أن نسبة العجز في الأدوية الأساسية لم تنخفض منذ عام 2016 عن 40 بالمئة في المتوسط، في حين كانت نحو 60 بالمئة من أجهزة الأشعة والمختبرات تحتاج إلى صيانة أو استبدال.

ومع كل جولة تصعيد، كانت المرافق الصحية تتحوّل إلى أهداف مباشرة أو غير مباشرة للغارات، لتُعاد بعد كل حرب إلى نقطة الصفر في محاولات دائمة لإعادة الإعمار دون جدوى حقيقية بسبب القيود الإسرائيلية على مواد البناء والمعدات الطبية.

دعوات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه

طالبت منظمة الصحة العالمية واللجنة الدولية للصليب الأحمر بضرورة فتح ممر إنساني دائم لإدخال الأدوية والمستلزمات الطبية، إلى جانب تأمين الوقود اللازم لتشغيل المستشفيات، كما حذّرت من أن استمرار الأزمة سيؤدي إلى “كارثة إنسانية مركبة” تشمل انهيار النظام الصحي وتفشي الأمراض المعدية بسبب تكدّس الجرحى والمرضى دون علاج.

منظمات فلسطينية محلية مثل المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان طالبت المجتمع الدولي بالتدخل العاجل وفرض ضغوط على إسرائيل للسماح بإدخال الإمدادات الطبية دون تأخير، معتبرة أن “الحق في الحياة والعلاج لا يمكن أن يكون ورقة تفاوض سياسية”.

الأمم المتحدة أكدت في بيانها الأخير أن حماية المدنيين لا يمكن أن تتحقق دون حماية منظومة الرعاية الصحية، داعية إلى رفع الحصار فوراً وتسهيل عبور المرضى إلى خارج القطاع للعلاج.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية